recent
مشاركات بوفار

خواطر عِتق للكاتبة عبير علي الحداد

bovar
الصفحة الرئيسية

 اسم العمل 

عِتق 

نوع العمل

خواطر 

اسم الكاتبة 

عبير علي الحداد

تدقيق لغوي

عبير علي الحداد

تصميم الغلاف 

منى وجية

تصميم داخلي وتنسيق

حورية مصطفى 

الاقتباس 

فكرٌ حائرٌ

سأكتبُ ولا أدري اللحظة لِمَ وعمَّ سأكتبُ؟ 

سأكتبُ وقد أمحو ما أكتب فلا ضمان لبقاء الحرف حتى وإن صادقتُ على بقائه.

قد أكتبُ للحظ التائه في سراديب العمر. 

للأيام المرهقة قد أدوِّنُ شعرًا على صفحات دفاتري.

سأعزفُ على أوتار الحرف سيمفونيةً تُراقِصُ روحي المتعبة، سأرسمُ للأمل دربًا ثمّ أمشي على رصيفه بخطى وئيدة. 

سأكتبُ عن روح لا زالت تغزلُ ثوب العافية بإبرة الدعاء والانتظار، وقد أنصتُ لوقع أقدام الألم كمشرط يجتثُّ بقايا إنسان؛ لكنني وبطريقة ما سأحاولُ نبش انقاضي، ومن بين الركام سأنتزع صورة أحلامي، وسأرسمني بملامح خُرافية علَّني بذلك أتجاوز عالم الفراغ، علَّني أغدو جنينًا في رحم الفضاء، علَّني أُولدُ نجمةً ليلكيةً في كبد السماء تجوبُ المجرات، حينها فقط سأنصتُ إلي جيِّدًا.

------

الصداقة

تُعتَبرُ الصداقةُ من أرقى العلاقات الإنسانية على الإطلاق.

هي أجملُ البداياتِ وأروعُها.

هي ليست مجرد رفقةٍ في الطريق، أو حديث نتجاذبُ أطرافه سويعاتِ الفراغ. الصداقةُ أعمقُ من ذلك بكثير، هي اجتماعُ قلبين على قلبٍ واحدٍ، أن يتخلٌى العالمُ كلُّهُ عنك ويبقى صديقُك إلى جانبك؛ فالصداقةُ سندٌ لا احتياج مؤقت مطلي بدهانِ المصلحةِ ينتهي فورَ انتهائِها.

الصداقةُ حبٌّ وألفةٌ، هي حبُّ الخيرِ للآخرِ كما تحبه لنفسِك.

هي شريطٌ من الذكرياتِ يفوحُ عطرًا كلما امتدَّ بنا السلمُ العمري، تتخلّلها عفويةُ البوحِ والفضفضة المرتشفة من حوضِ الثقة والسكينة.

الصداقةُ كشجرةٍ وارفةِ الظلال نستظل بظلها، قد تتعرضُ أحيانًا لأعاصير، وزوابع الظروف، ولتياراتِ سوء الفهم؛ لكنها لا تلبث قليلًا إلا وتعودُ أقوى من السابق كالحديد لا يزدادُ بريقًا ولمعانًا إلا بتعرُّضِه للحرارة.

-----

نسيان

وبمرور الزمن نفقدُ مقاييس حلاوة ومرارة الشعور؛ حيثُ تسقط الذكرى بتفاصيلها، وأحداثها الدقيقة بالسفر قُدمًا عبر ممرّ الأيام، تسقط ويسقط معها دِقّة الشعور، حتى الذكريات المؤلمة عندما يمرّ عليها ردحًا من الزمن تفقدُ تأثيرها وهيمنتها على مشاعرنا؛ وذلك لتمرّغ ذاكرتنا في ثرى النسيان، قد يحدث وأن نستذكر أحاسيسنا في وقتٍ معيّنٍ من الذاكرة القريبة أو البعيدة؛ لكننا دون شكٍّ لا نستطيع أن نستعيدَ الشعور ذاته، ونعيش المشاعر ذاتها بحلاوتها أو مرارت

-----


الحرية

كُلَّما امتدَّ بي الشريطُ العمري أدركتُ كم كنتُ أتمتعُ في طفولتي بحريةٍ واسعةِ النطاق، حريةٌ تكادُ تخلو من معاييرِ الشعورِ بالخجلِ من البيئةِ المحيطة فيما يصحُّ فعله أو لا يصح، حريةٌ تمنحني مساحةً من فرحٍ دون أدنى التفاتةِ خجل، كم كانت مريحةً حريةُ الصغر؛ فالمرءُ منا كلما كبرَ وزادَ وعيُه، نما في داخله شعورٌ يفرضُ عليه خلعَ معطفِ حرياته المتاحة له تدريجيًّا لتنحصرَ حدودُ حريته، وتقلَّ مساحتُها لينتهيَ به المطاف إلى أن يكتفيَ بالتحليق فقط في سماءِ أفكاره، والركضِ في بساتين روحه، والتأرجحِ في حديقةِ أحلامه، هكذا يبقى في داخلِ كلٍّ منا حدائقه السرية التي يرتادُها بين الحينِ والحينِ كُلَّما قسىت عليهِ الحياةُ، وكأنهُ بذلك يعوِّضُ ما أفقدهُ إياهُ الكبرُ والنضجُ من حرية؛ لكن ما بالي أنا! كبرتُ وما كبرت تلك الصغيرةُ بداخلي، لا زالت تحاولُ أن تستعيدَ شيئًا من حريةٍ، لا زالت تعبثُ بأوراقي، وتصدحُ بصوتِها الطفولي هاربةً مني، لازالت تشاكسُ من حينٍ لآخر، ثم تتوارى خجلةً من صرامةِ وعتابِ نظراتي، كبرتُ أنا ولم تكبر صغيرةُ الأمسِ بداخلي، واقفةٌ أنا منذُ أمدٍ بعيدٍ في مكاني ظنًّا مني أنَّ العالمَ واقفٌ مثلي لكنَّ العالمَ تجاوزني، تخطَّاني، ودحرجني في ممراتٍ لا قِبَلَ لي بها؛ فأضعتُ مفتاحَ الحرية والحياة، تشرنقتُ زمنًا أرمِّمُ بلَّورةَ النقاءِ في داخلي، ثمَّ مضيتُ في طريقي باحثةً عن حريتي، طالت رحلتي، وفقدتُ بوصلةَ عودتي، وضللتُ الطريقَ إلي؛ لكنني وبطريقةٍ ما خلقتُ لي عالمًا آخرًا مليئًا بالانبهار، أبحرتُ إلى جزرِ الذكريات الجميلةِ، كم أحبُّ أن أقضي باقي عمري هناك! أمارسُ حرياتي بعيدًا عن مجريات الواقع. هكذا كنتُ دومًا أحصلُ على جزءٍ من حريّتي بالسفر إلى مدن البراءة والطفولة.

في القراءةِ وجدتُ أيضًا ضالّتي، وجدتُ فيها ملاذًا أُغذِّي به أحلامي الجائعة، لمستُ فيها أشياءً يفتقرُ إليها عالمُنا المادي؛ فهي عالم لا حدود لهُ، لا أسوار، لقد خضتُ تجربةً فريدةً من نوعِها، إذ حطَّمتُ قيودي، وهدمتُ أسوارَ المللِ، والعزلة، والعجز، وانتعلتُ حذاءَ الحلمُ إلى مُدنِ الخيال، كنتُ آخذُ نفسي دومًا في رحلةٍ طويلةٍ إلى عوالِمها الخفية، أغوصُ، أحلِّقُ، أرقصُ، أبكي، أفرحُ، وأختبئ بأمانٍ في ظلالِ رواياتي، جرَّبتُ شتى أنواع الشعور، ورأيتُ كيف يتجدّدُ من خرابٍ إلى حياة، وكيف تبتسمُ عصافيرُ الروحِ خجلًا وتغرِّدُ على أغصانها سرًّا؛ فيصدح داخلي بلحنِ الحبِّ، والحياةِ، والحريةِ؛ فأتساقط من سمائي عطرًا لأغمر الأرضَ برائحة عبيري الفواح.

واقعيًّا لا يوجد إنسانٌ على هذه الأرض يتمتّعُ بحرّيّةٍ مُطلَقَةٍ، كلُّ إنسانٍ منا يتمتّع بقدرٍ معين من الحرية، إلا أنّ البعضُ منا للأسف الشديد يسيء فهمَ الحرية، ويمارسُها بشكلٍ خاطئ زعمًا منه أنه يمارسُ حريتَه، الحريةُ لا تعني مطلقًا إثارة الفوضى والشغب، أو القيام بأعمال تُنافِي الخُلُقَ والدين، على العكس تمامًا الحرية الفعليّة أسمى بكثيرٍ من هكذا منظورٍ ضيّق قد ينظرُ إليه البعض؛ فالحريةُ تتجسّدُ في أن يمارسَ المرءُ هواياته التي يحبها، كالالتحاقِ بالجامعةِ أو الوظيفةِ التي يرغبُ بها، وغيرها الكثيرُ من الأمثلة للحرية الشخصية النابعةِ من الذات، التي من المفترض ألا يُسمَحَ لأي شخصٍ أن يديرها غير الشخص نفسه في اعتقادي الحريةُ الفرديةُ تُعَدُّ من أبسطِ الحقوقِ الإنسانيةِ للفرد التي لزم عليه أن يحافظَ عليها، ويدافعَ عنها ضدَّ من يحاول أن يفرضَ عليه قرارته التعسُّفيَّة، وتسيير سفينة حياته كيفما يشاء، هو ليس قطعةَ قماشٍ يُفصِّلُها الغيرُ حسب رغباتِه، ليس مُسيّرًا؛ فإذا كان اللهُ عزّ وجل نفسُه خلق الإنسانَ وبيَّنَ له طريق الحق والضلال، وجعلهُ مُخيّرًا فيما يخصُّ أمور دينه ودنياه، أفيأتي في الأخير مخلوقٌ مثله يجعله مسيّرًا، وتابعًا وخاضعًا له! هذا ما لا يتقبَّله عقلٌ ولا منطقٌ.

وصدق إيليا أبو ماضي حينما قال (وعجيب أن يُخلَقُ المرءُ حرًّا ثم يأبى لنفسهِ الحريةَ )

برأيي أنّ حريةَ الرأي من أهم أنواع الحرية على الإطلاق، يليها حرية الفعل شرط ألا يتعدى الفعلُ على حرية الغير ؛بمعنى لا تمارس حريتَك الشخصية على حسابِ أحد؛ لأن غيرك سيقابلُ المثلَ بالمثلِ، وستغدو الدنيا فوضى حينما تتعارضُ الرغبات. 

حلِّق، ارقص، اركض، اقفز، غرِّد لكن على أغصانِك أنت.

سِر وِفق مبدأ (افعل ما تريد شرط ألا تتجاوز حدودَ غيرِك). 

ومعنى الحرية الصحيح يكمن في ملخص المنفلوطي

(الحريةُ شمسٌ يجب أن تشرقَ في كلّ نفسٍ، فمن عاش محرومًا منها عاشَ في ظلمةٍ حالكة يتصل أولها بظلمة الرحم وآخرها بظلمة القبر)  

------

تحميل الكتاب





google-playkhamsatmostaqltradent