recent
مشاركات بوفار

قصة قصيرة لن نكون معًا للكاتبة صالحي إسلام

bovar
الصفحة الرئيسية

اسم العمل

لن نكون معًا 

نوع العمل

قصة قصيرة 

اسم الكاتبة

صالحي إسلام 

تدقيق لغوي

أسماء حافظ

تصميم الغلاف

رانيا محمد

تصميم داخلي وتنسيق

وئام مدحت 

الاقتباس

دماءٌ متناثرةٌ على قارعة الطَّريق، هناك على جانب الرَّصيف جسدُ امرأةٍ بلا حراكٍ، رقبتها ملتويةٌ بشدةٍ، من بين ذراعيها ينطلق صراخٌ مدوٍّ بلا انقطاعٍ؛ إنَّه صوت طفلٍ صغيرٍ مُرتجفٍ، بكاءه مُتَقَطِّعٌ من شدَّة الفزع.

لم تكن بذلك الجمال الكافي، حتَّى يُخَوَّلَ لها الفوز بزوجٍ كقريناتها، فجمالها ليس بشيءٍ يُذكر، فحاجباها كبيران ملتصقان من يراها يقول أنَّها ذات عينٍ حاسدةٍ، عيناها كبيرتان واسعتان ترى البحار فيهما قد اجتمعت، فسحر عيونها يجعلك تائهًا لا تعرف من أين تبدأ وصفهما، عيناها ملاذٌ لكلِّ عاشقٍ ولهانٍ، إن أمعنت النَّظر بداخلهما لسرحتَ بخيالك بعيدًا، بعيدًا جدًّا، فَتَجِدَ نفسك قد صرتَ شاعرًا في وصفهما قد تَغَزَّلَ، لكن لا أحد قد انتبه لهما، ولا أحد قد أعار اهتمامًا لتلك الجواهر اللَّامعة البرَّاقة، فَكُلُّ ما يلفت أنظارهم فقط هو اقتران حاجبيها، فالعيون تستبق الأحداث، تنتقي ما يلفت انتباهها لأوَّل مرَّةٍ، فبعد النَّظرة الأولى مباشرةً ينطق اللِّسان بالحكم المُسْبَقِ المباشر، فتنطق الألسنة فور رؤيتها؛ بلقب مقرونة الحواجب، يقولون أنَّ لِكُلِّ فتاةٍ جمالها الخاصُّ بها، فجمال عينيها تجاوز كُلَّ الحدود، فلولا شكل حواجبها لكانَتْ أجمل الفتيات، فلن ينافسها بذلك أحدٌ، لكنْ كما تقول في قرارة نفسها: " الكمال وحده لله عزَّ وجَلَّ، والحمد لله على الخلقة التَّامة".

فعيناها وآهٍ من عينيها؛ إِنَّهُ لجمالٌ فوق جمالٍ، فتلك اللَّآلئ المضيئة ورثتها من أمِّها الرَّاحلة، فما أجمل ما ورثته حقًّا!، فمن يدري، هل سيحبُّها أحدهم رغم تلك الحواجب؟ رغم كثافتها؟! رغم شكلهما المُلفت للانتباه؟! هل سيذوب في عشقها أحدهم؟! هل سيحبُّها أحدهم؟! هل سيقترب منها أحدهم يومًا ما؟! هل سيأتي أحدهم ليدخلها في عالم العشق؟! أين ذاك العاشق الولهان؟ هل سيكون له وجودٌ؟! هل سيغرق في بحار تلك العيون؟! هل سَيتغاضى عن حاجبيها؟ هل سيتقبَّل مقرونة الحواجب؟

تساؤلاتٌ عدَّةٌ تجول ببالها كُلَّ يومٍ، لَمْ تجد جوابًا محدَّدًا، فَجُلُّ ما تجده من جوابٍ ما هو إلَّا افتراضٌ، لكنَّها تتنهَّد قائلةً: الحمد لله دائمًا وأبدًا، فالأرزاق بيد الله.

يُطلقون عليها لقب ذات العين، ظلموها فهي ليستْ تلك اللَّامَّة، فقلبها أبيض كالثَّلج، فَهي لَمْ تُفَكِّرْ يومًا في ما يملكه غيرها، فقلبها قد تَشَبَّعَ بعطاء والدها، فَلَمْ يبخل عنها يومًا بشيءٍ، للنَّاس أَلْسِنَةٌ حارقةٌ قتلتِ الأنفس خنقًا، إنَّها أفاعٍ سامَّةٌ تلتفُّ حول الرِّقاب.

إِنَّها تمشي بلباسها الطَّويل المزركش بالورود، وشعرها الأسود الطَّويل منسدلٌ على أكتافها وظهرها، يتحرَّكُ بانسيابيَّةٍ وحُرِّيَةٍ مطلقةٍ، إِنَّها سيِّدة المنزل بلا منازعٍ، فهي في منزل والدها تعيش مُعَزَّزَةً مُكَرَّمَةً، فهي أميرة أبيها، تلك الأميرة المدلَّلة التي لا ينقصها شيءٌ البتَّة، ليسوا بأغنياء ولا نبلاء، ليسوا بملوكٍ أو خدمٍ، إنَّهم أناسٌ بسطاء تشبَّعوا بالقناعة والرِّضا، فلا شيء ينقصهم فكلُّ ما يملكونه الآن، لَنعمةٌ يحمدون الله عليها ويشكرونه صباحًا ومساءً، فما يملكونه بحدِّ ذاته ثروةٌ قد غابتْ عند أغلبهم، فرباطهم الأسريُّ قويٌّ للغاية، لا يستطيع أحدٌ قطعه أو كسره، ف"زهرة" جوهرة أبيها، قلبه ونبضه، نفسه وروحه، حياته ووجوده، فمجرَّد وجودها يثلج قلبه فرحًا، فها هي ذي امراةٌ ناضجةٌ متعلِّمةٌ، ذات أخلاق عاليةٍ، لكن لَمْ يحالفها الحظُّ في الحصول على وظيفةٍ، لكن هذا لا يهمُّ، فوالدها هنا موجودٌ يراعيها ويهتمُّ لأمرها، فكيف لشخصٍ أن لا يحرس جوهرته الثَّمينة؟ فزهرة هي نظره وروحه، فبدونها قد يفقد الشَّغف في الحياة، في ذهنه تجول تلك الفكرة الرَّهيبة: "سيأتي يومٌ وتتركني ابنتي، سيأتي يومٌ ويأخذها رجلٌ منِّي، كيف سيعاملها؟ هل سيُدلِّلها؟ هل سيعتني بها؟ هل سَيُفْدِيها بحياته؟ هل سيستنزف قواها؟ هل سيظلمها؟ هل.....هل ..هل ... هل ستزورني؟ هل سأكون مُهْمَلًا ؟ هل سأكون في دهاليز النِّسيان؟"

تحميل الكتاب



google-playkhamsatmostaqltradent